علي مر تاريخ الحضارات القديمة ظهرت العديد من الحضارات القوية اللتى حكمت العالم القديم ومرت بفترات قوية وصلت إلي زروتها ومالبثت أن بدأت في الانهيار شيئا فشيئا حتى افل نجمها واختفت تماما ، ومنها الكثير جدا لم يبق منه ثمة اثر يذكر ، والأمثلة علي ذلك كثيرة ، فمنذ ما بعد الطوفان العظيم ظهرت حضارات كانت من القوة والرقي والتقدم العلمي مالم نصل إليه إلي يومنا هذا وعلي سبيل المثال حضارة قوم عاد ، اللتى ورد ذكرها في القرآن الكريم واللذين كانوا من القوة والعظمة أن ذكر الله عز وجل مدينتهم وعاصمة ملكهم مدينة " إرم" واللتى وصفها عز وجل بأنها لم يخلق مثلها في البلاد فقال عز وجل " الم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * اللتى لم يخلق مثلها في البلاد * " صدق الله العظيم ، فإن دققنا النظر إلي الآيات الكريمة سنلاحظ وصفا من رب العالمين لحضارة قوية لم يعرف الكون كله مثيلا لها ، فوصفها عز وجل بأنها لم يخلق مثلها في البلاد علي الاطلاق من قوتها وجمالها وسيطرة شعبها عليها ، ولكن أين هي الآن ؟ اصبحت اثرا بعد عين ، فما سبب ذلك ؟
يرجع دمار المدينة العظيمة " ارم " لأسباب عدة اولها وهو الاساس كفر اهلها برب العالمين ورفضهم لعبادة الإله الواحد عز وجل ، ظنا منهم أن قوتهم وبسط نفوزهم علي حضارتهم سوف ينجيهم من الله ، فظلموا خلق الله الضعفاء وعاثوا فسادا في الارض ظانيين انهم لم يمنعهم من الله شيئا ، فإذا برب العالمين ينزل عليهم عزابه من السماء بظلمهم " وتلك القري اهلكناهم لما ظلموا "
فإذا بحضارة قوم عاد تصبح بعد قمة القوة والتمكين في الارض اثرا بعد عين ، " فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا عاتيه ، تنزع الناس كأنهم اعجاز نخل خاوية ، فهل تري لهم من باقية "
وهكذا يخبرنا رب العالمين أنه لا يوجد لهم حتى اثرا موجود علي وجه الارض ، فكان عقاب الله عز وجل لا يخص فقط اصحاب المدينة " ارم " ولكنه انتقل ليشمل مدينتهم الجميلة القوية لدرجة انك لن تجد منها اثرا باق علي وجه الارض .
وبنفس الطريقة يأتى ذكر حضارة قوم ثمود ايضا في منطقة الاحقاف ، وهم من اقوى الشعوب ايضا فهم من كانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين كما ذكرهم الله عز وجل في آياته ، ومع ذلك اهلكهم لما عصوا الله وعصوا نبيهم سيدنا صالح ،
وكذا قوم سبأ في حضارات اليمن القديم عند عصيانهم لله عز وجل بعد ما كانوا في منطقة غنية بالخيرات وجعل الله لهم خزانا طبيعيا من المياه العزبة " سد مأرب " واللذي كانت تتجمع فيه مياه الامطار طوال العام ليستخدمها اهل سبأ في تكوين حضارتهم المدنية في قلب الصحراء في شبه الجزيرة العربية ، واذا بعصيانهم وظلمهم يهلكهم الله بعزابه ويرسل عليهم سيلا يدمر سد مأرب ليتفرقوا في الصحارى وتباد مدينتهم تماما وتصبح اثرا بعد عين هي الاخري .
ولكن لماذا لم يهلك الله حضارة مصر القديمة ؟
فلو دققت النظر في الحضارة المصرية القديمة لوجدتها باقية منذ آلاف السنين ، لم يطمث ذكرها ولم تدمر مبانيها وآثارها الخالدة فما هو السر في ذلك رغم كون تلك الحضارة علي حد معرفة الكثيرين هي من ظهر بها فرعون موسي ومن قال " انا ربكم الاعلي" ، "وما علمت لكم من إله غيري " !
اذا فما هو الفرق بين تلك الحضارات وحضارة المصريين القدماء ؟ لماذا ظلت معابدهم وآثارهم وكنوزهم باقية شاهدة علي مدى قوتهم وعظمة عصرهم ؟
حين ندقق النظر في الاحداث سنجد أن الله سبحانه وتعالي قد اهلك اهل القري السابقة من قوم عاد وثمود وحضارات اليمن القديم وفلسطين بسبب إنتشار الظلم بين القوى والضعيف من اهل تلك الحضارات ، فكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه كما وصفهم الله جلا وعلا ، وذلك علي عكس الحضارة المصرية القديمة اللتى كانت تتسم بالعدل بين افرادها من حكام ومحكومين بل أن الكثير من الملوك الفراعنة كانوا يتغنون بالاحسان إلي الفقراء ، ومنهم من كتب ذلك في وصايا إلي أبناءه " كوصايا الحكيم آنى" ، فكان العدل منتشر انتشارا كبيرا بين الملوك الفراعنة والإدارات الحاكمة ، رغم كون الفرعون بمثابة الإله علي الارض وهو ظل لله كما اتضح من تقديس الفراعنة المصريين لحكامهم بشكل مبالغ فيه ، ولو لاحظت أن سقوط الأسر الفرعونية كانت تأتى في الوقت اللذي يحيد فيه الحكام عن العدل وينتشر الظلم بين المصريين من حكامهم واللذي في النهاية يكون سببا مباشرا لسقوط الاسرة الفرعونية ،
كثرا من الآراء تصف المصريين القدماء بأنهم شعب طغي علي من يحكمونهم واستخدموا معهم طرق الترهيب والسخرة ، وضربوا المثل ببناء الاهرامات وقالوا انها كانت بطريقة السخرة والتعزيب لمن عملوا بها ، لتظهر الشواهد شيئا فشيئا ويتضح ان العمال المصريين اللذين بنوا تلك الاهرامات العظيمة حصلوا علي امتيازات كبيرة من قبل ملك البلاد وكانوا من المقربين للفرعون بل انه انعم عليهم بالعطايا والمكافآت الوفيرة لدرجة انهم كانوا يآخذون اجرهم بشكل يومى في صورة نبيذ وعسل واطعمه هي الارقي في الحضارة المصرية القديمة ، بل والاكثر من ذلك انهم كانوا يدفنون بجوار الاهرامات حتى يحظوا بشرف القرب من ملك مصر حتى في موتهم .
شكك العديد من العلماء في كون المجتمع المصري القديم يحظى بكل تلك القسط من العدالة الإجتماعية واللتى جعلته مجتمعا مبتكرا قويا علميا ومحبا لبلاده وكذا مبدعا في شتى المجالات الفنية والمعمارية والطبية وفي الفلك ايضا ، وقد تعللوا بفرعون موسي ظنا منهم بأنه شخص مصرى حكم البلاد واستضعف طائفة معينة بسبب رؤيا رآها واسامهم سوء العزاب من قتل لأبنائهم وبقر لبطون النساء الحوامل حتى لا يولد من ينهي ملكه ، ووصفوه بأنه هو الفرعون المصري
"رمسيس الثانى" ! وقد اخطأوا في ذلك لعدة اسباب اهمها أن رب العالمين حين تحدث عن فرعون موسي اللذي ظلم طائفة من الموجودين علي ارض مصر واهلكه الله بظلمه لهم ، استبدل مدينته وملكه بقوما آخرين كما ورد في القرآن الكريم " كذلك واورثناها قوما آخرين " فهل من المعقول أنه آتى بعد رمسيس الثانى ملكا اجنبيا وقوما اجانب ؟ هذا لم يحدث علي الإطلاق لقد آتى بعد وفاة رمسيس الثانى " مرنبتاح" وهو ابنه وليس غريبا عنه ولم يآتى ايضا احتلالا لمصر في عهده حتى يتم تسليم ملك مصر لقوم اجانب " آخرين" ، لذلك نحن نؤيد بشدة اقوال العلماء اللذين اكدوا ان فرعون هو اسم للملك الهكسوسي " الوليد بن الريان " واللذي حكم في آخر عصر الإحتلال لمصر الفرعونية واللذي انتهت فترة احتلال مصر من قبل الغزاة الهكسوس بظلم ملكهم " فرعون" لقومه بنى اسرائيل ورفضه لدعوة نبي الله موسي ، فكانت نهايته ونهاية مملكته المحتلة لشمال مصر ، واللتى اورثها الله للمصريين وهم قوم يختلفون اختلافا كليا عن الآسيويين الهكسوس الكنعانيين ، وهذا هو المنطق الأفضل والأقرب للكمال في تلك الرواية ، لتظل مصر وآثارها المصرية القديمة شاهدة علي عدل وحضارة تفوقت علي كل الحضارات القديمة بدوام بقائها وجمال منشآتها علي عكس كل الحضارات الأخرى الظالم اهلها ، بقيت لسبب واحد ألا وهو " العدل" .
" كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك واروثناها قوما آخرين "صدق الله العظيم .
إرسال تعليق
شكرا علي تعليقاتكم